تحقيق: عمار- مروة وعبدالستار إسماعيل
◄بعد مضي سنوات العمر، المختلطة بالأحداث والمواقف والمشاعر المختلفة، تبقى الرغبة في الاستقرار مطلباً لكل شخص لا يزال على قيد الحياة، سواء كان طفلاً أو هِرماً، وما أقوى الحاجة للحب في عمر الستين، كل بحسب وجهة نظره الخاصة.
في هذا التحقيق تعمقنا في أسرار الحب، من بداياته إلى سنواته الأخيرة المتزامنة مع عمر الإنسان.
النقد الاجتماعي:
يؤكِّد الكاتب القصصي نادر الرنتيسي – الأردن: "لا يرتبط الحب بمرحلة عمرية محددة، لكن قوة التعبير وجرأتها في مرحلة المراهقة والشباب جعلت الأمر يبدو كما لو أنّ هذه الفئة العمرية هي التي تكون حاضنة للمشاعر والرغبات العاطفية"، ويضيف: "تتراجع فرص البوح العاطفي أو حتى الشعور كلما تقدم الإنسان الشرقي في العمر، إذ تبدأ أعباء الحياة في الثلاثين وتزداد الضغوطات، ويصبح من العيب على الرجل الخوض في قصة عاطفية بعد سنِّ الخمسين، وتوصف هكذا حاله على أنّه يعيش "مراهقة متأخرة"، وقليل منهم يستجيبون علناً لنبض قلوبهم، ورغباتهم بتجديد هواء أرواحهم، فهم عرضة للنقد الاجتماعي اللاذع، لذلك يعود الحبُّ للرجل الخمسيني أو الستيني إلى رغبات سرية وعلاقات غامضة يحملها الفشل سريعاً في مجتمع يختصر حياة الإنسان في عشرين عاماً!".
الحب الخمسيني جميل:
يعلق على ذلك كاتب مسلسل "باب الحارة" الأستاذ مروان قاووق من دمشق قائلاً: "يكون الحب بعد الخمسين جميلاً لمن لم يجرب الحب من قبل في حياته، على رغم أنّه قد يكون متزوجاً عن غير حب، وعندما يخفق قلبه لفتاة ما، ولو كانت تصغره بعشرات السنين، تكون مشاعر هذا الرجل الخمسيني حباً حقيقياً ويقاتل من أجله بشراسة، حتى أن تعامله يختلف مع الآخرين، ولو كان هذا الحب من طرف واحد، وربما لا يكتمل هذا الحب، لكن يكون له تأثير نفسي سلبي على حياته ويكون مؤقتاً".
الحب "الستيني" أكثر واقعية:
يرى الأستاذ عبدالعزيز الحمدان، مستشار أسري من الرياض، أن عامل السن مؤثر جدّاً في تغيير مقاييس الحب لكل مرحلة من مراحل العمل، إذ إن خبرات الشخص لها دور كبير في اكتساب مفاهيم أكثر واقعية، فصاحب الخبرة لديه القدرة الشخصية في التحكم في مشاعره، وكذلك قدرته على معرفة رغباته وإشباعها بالشكل المناسب بدون تهور، أو قرارات عشوائية، وبحد علمي فإنّ الحب لمن تعدوا حاجز الخمسين يغلب عليه العقلانية والواقعية، بل إنّ نتائج علاقات الحب السابقة لها دور كبير في حبه في هذه المرحلة، فالنتائج الإيجابية أو السلبية ستتحكم بشكل كبير في علاقة الحب التي سيمارسها، ولا نهمل جانباً آخر وهو أنّه لا مجال للتجارب التي قد تفشل، لأنّه في مرحلة عمرية لا تسمح له بالتهور، أو إعادة تجارب سابقة، إضافة إلى مسؤولياته اليومية التي تكونت مع مراحل العمر، فالعرف أنّ الأشخاص في هذه السن هم آباء أو مسؤولون في مجتمعهم المحيط بهم، سواء ارتباطهم بعمل حكومي، أو خاص أو حتمي مسؤولين في محيطهم الاجتماعي.
العقل والقلب:
بينما يشير الإعلامي زهير عبدالقادر – الأردن إلى أنّ الحب في حياة الإنسان دائم ومتجدد طوال حياته، وهو غير مقيد بعمر معيّن أو محدد، فالإنسان يحب مادام يملك القلب والإحساس، حتى لو هَرِم الجسد، فالإحساس والمشاعر والعواطف لا تَهرَم وتبقى شابة، أما الإخلاص والحب لشريكة الحياة فينمو مع نموها، فهما يكبران معاً، وهناك الذكريات والمواقف الحياتية التي تبقي على حبهما، ويتحكم بالحب في سن الشباب "القلب والعقل وروح المغامرة"، أما في الكبر فهذه كلها موجودة تحت إرادة العقل، فيبقى الحب متعلقاً بالذكريات والاحترام والتقدير والحاجة للاستقرار النفسي بعد مضي العمر، وتكون الحاجة لوجود شريكة في هرم الحياة هو الأكثر بحثاً في حياة الرجل الستيني، وعند ملاقاة تلك الشريكة أو الإحساس بها، يعيش شاباً من جديد.
العجائز المتصابون:
أما عبدالكريم محمد – باحث اجتماعي من "دمشق"، فيقول: "إنّ قلة الخيارات عند الرجال المتقدمي السن تجعلهم يبحثون عن أي خيار جديد تحت عنوان العشق أو الحب، وهذه القضية تأتي لإثبات الجدارة بعد أن أصبحت الخيارات شبه معدومة كما أسلفنا، فمن هؤلاء ما يحاول استغلال منصب وظيفي، أو حضور اجتماعي أو مالي وفير، لكي يصلوا إلى أهدافهم كعجائز متصابين، تماماً كما تمارس النسوة في هذه الأعمار، وعلى ما يبدو أن جدار اليأس هو المحفز الأساسي للبحث عن فتح طاقات أمل من خلال هذا الجدار عند الجنس الآخر، ولو أمنعنا النظر لوجدنا هذا العمر الأكثر ميولاً لتعدد الزوجات، وهو بعد كثير من الدراسات الاجتماعية أمر واقع لجهة هذا التعدد، على رغم الخطورة الكبيرة التي تنعكس على حياة هذه الأسر من تفسخ وشقاقات أسرية واجتماعية".
الحب الحقيقي يبدأ من الـ25:
ويبين الأستاذ مداوي عسيري – جدة، أنّ الحب ليس مقترناً بالصبا والشباب، لأنّ الحب في الشباب والصبا يعتبر حب مراهقة ولا يحمل نضوجاً والحب الحقيقي يبدأ من سن 25 إلى سن 35، لأنّه يتحمل المسؤولية ويقدر المعنى الحقيقي للحب.
الحب لدى الكبار واضح:
وتصف السيدة جوهرة عبدالله – مكة المكرمة الحب لدى الكبار بأنّه يمتاز بالوضوح والصدق وتقدير السنين التي مرت، ويكون أيضاً حباً حقيقياً بعيداً عن المراهقة، لأنّ الحب أصبح عملة يستخدمها المراهقون للاستفادة منها فقط، والحب الحقيقي لم يكن من طرف واحد، لابدّ أن يُقدَم من الطرفين إذا رغبا في استمراره وعدم ذهاب أي أحد منهما لحب آخر.
الحب الحقيقي يحمي من تيارات الحب الأخرى:
وهل عشرة الزوجة تردع الرجل أخلاقياً، وتجعله يمتنع عن حب أخرى، أم أن تيار الحب يجرف من دون أي اعتبارات، يقول الأستاذ التربوي أحمد مشهور – جدة: "إنّ العشرة مهمة جدّاً، وهي ضمن أسس الحياة، وعشرة الحب والتقدير الذي يقدم خلال السنين يجعل الإنسان مكتفياً بحب حقيقي لا يستطيع التماشي مع تيار الحب، وأيضاً الاقتناع والقوة الإيمانية تجعل الإنسان يتبع خطوات صحيحة في حياته".
مستودع للثقافة بالحياة:
ويقول الصحافي إبراهيم القيسي – الأردن: لا عمر للحب، فمن الطبيعي أن تتفتح في عمر الشباب، لكنها تنضج مع العمر والخبرة والتجربة، واتساع المدارك، والحب لمن تجاوز الخمسين والستين حالة طبيعية من التطور في الرغبات، إذ تضعف لدى الرجل والمرأة كثير من الملكات الطبيعية، فيلجأ لحب الحياة كرد فعل طبيعي عن انهيار القوى لديه، فالكبير يصبح محباً لطول العمر وأحياناً للمال وللمرأة بطبيعة الحال، إذ ترسو أخلاق وقيم إيجابية مضاعفة بين الجنسين مع تقدم العمر والتجربة والعشرة، وربما يتحدان في شخص واحد، بعد أن قطعا مرحلة طويلة من التجربة المشتركة، لكن هذا لا يعني أنّ الكبير لا ينظر للنساء اللاتي يظهرن أكثر حيوية وجمالاً مقارنة مع زمنه، فهناك متغيرات جديدة تبدو على المرأة وتتطور بشكل يجذب نظر الرجل الأكبر والأكثر خبرة. وأعتقد أنّ الحب في هذه السن موجه إلى الناحية الجسدية أكثر، خصوصاً أنهم يعتبرون أنفسهم مستودعاً للثقافة الاجتماعية والعاطفية".
لكل مرحلة حب مختلف:
يعتبر الخمسيني أحمد محمد – الأردن، أنّ للحب مراحل وفقاً لعمر الإنسان، ولكل مرحلة حب مختلف، ويوضح: "الحب في مرحلة الطفولة يكون متعلقاً بشخصيات وهمية أو نجوم سينمائيين، ويكون بريئاً لا معنى ولا هدف له، وفي المراهقة يبحث الإنسان عن رفيق له في تلك المرحلة النفسية المتوترة، ويعيش الحب كقصة درامية، يلجأ إليها ليفضفض عن همومه المفتعلة أحياناً ليعيش جواً من الحب، وفي الثلاثين تكون سن النضوج، إذ يبحث الإنسان عن الاستقرار النفسي والمعنوي والمادي مع شريك الحياة، وتتأجج لديه مشاعر الأمومة أو الأبوة، فيكون الطفل والبيت هما الهدفان الأساسيان لإنتاج ثمار الحب، وهنا يكون الحب هادئاً، صادقاً، إلا ما ندر من بعض الأشخاص الذين يرهف قلبهم لأي شخص، فتبدأ الخيانات، وفي الستين يكون الإنسان بعيداً من الدنيا ومنعزلاً عن الناس، ويعود طفلاً من الداخل يحتاج إلى الرعاية والحب والاهتمام من شخص يبادله المشاعر الصادقة، وغالباً ما يكون الحب في فترة الستين من طرف آخر مماثل في الفترة العمرية، كون أن كليهما يشعر بالشعور نفسه، ويحتاجان الأغراض نفسها".
الرجل يحب حياته المهنية أكثر من المرأة:
ويؤكد علي سليم، موظف من "دمشق" أنّ الحب بعد الخمسين يكون نوعاً من التغيير، أو قد يأتي بسبب عدم اهتمام زوجته بنفسها وشكلها ومضمونها، وفقدان العلاقة الحنان والحب، فيجب أن يكون بينه وبين زوجته كلام طيب ولطيف، لكنني أعتقد أنّ هذا الحب لن يكون حقيقياً، بل مصطنع.►
ارسال التعليق